سنغافورة … دولة بلا هوية

سنغافورة كلمة تعني (الأسد) هذه المدينة التي لازالت مضرباً للأمثال بعد أن أصبحت دولة داخل مدينة. تتميز سنغافورة بكل مقومات الدولة الحديثة وبكل صفات المدينة العصرية الجميلة رغم صغر حجمها، زرتها عدة مرات آخرها كانت قبل أشهر ولازالت محافظة على طبيعتها الخلابة ونظافتها، فهي تعطيك إنطباعاً بالحيوية والنشاط والتقدم المستمر لمسايرة العصر، لكن بشكل مدروس ومنظم، فقوانينها للمحافظة على البيئة مثلاً صارمة، وكذلك بالنسبة لحركة السير والمرور، إذ يهيء إليك وأنت تتجول في شوارعها حتى في ساعات الذروة أن حركة السير منظمة وإنسيابية وليس كما نرى في أغلب المدن، وهذا سببه كما ذكرت القوانين الصارمة التي يلتزم الجميع بإحترامها، كما أن أرقام السيارات الخاصة محدودة وتباع بمزاد علني للتقليل من الإزدحام وكذلك نشر ثقافة الإلتزام بالقوانين، لذا نادراً ما تجد مخالفين سواءً بالنسبة للنظافة أو حركة السير. سنغافورة كانت جزءاً من ماليزيا وتسمى ولاية جنوب ماليزيا وانفصلت عنها عام 1965 بدعم من بريطانيا التي شجعت الهجرة إليها وبالذات من الصين، وأصبح فيما بعد هؤلاء الأجانب الأغلبية ومواطنين سنغافوريين، وإنقرض السكان الأصليون لأنهم كانوا أقلية. فأصبحت تتكون من 14% من السكان الأصليين و80% من أصول صينية والباقي من أصول مختلفة. دستورها يحدد لغة الدولة بأربع لغات المالاوية والتاميلية والمندرين والإنجليزية وهي المسيطرة على الحياة اليومية. سكانها الأصليون أغلبهم لازالوا يعملون في البحر وبالذات في صيد الأسماك. إلتقيت بصديق أعرفه منذ سنوات حضر إلى دبي في زيارة رسمية عندما كان يشغل مركزاً في الحكومة، وهو من المسلمين المالاويين دعاني إلى العشاء وتعرفت خلاله على مجموعة من أصدقائه من بينهم أحد عرفت أنه من أسرة السلاطين الذين كانوا يملكون كل شيء في سنغافورة وحالياً يعمل موظفاً، مع أنه في مركزٍ مرموق إلا أنه إشتكى حاله الذي إنقلب لأنه كما قال بدل أن يسكن في منزل والده وأجداده الذي كان بمثابة قصر يعيش الآن في شقة في المنطقة القديمة أو ما يسمى حي المالاويين.
تكلم كثيراً عن عائلته عندما كانوا على رأس السلطة وعن وضعه الحالي مع أنه يحمل شهادة عليا إنما إنقلبت حياته رأساً على عقب وإختلفت كثيراً عن حياة أجداده الذين في رأيه لم يخططوا لمثل هذا اليوم الذي يعيشه هو وأمثاله إنما كانوا ينعمون بالرفاهية ولم يفكروا في المستقبل ووثقوا في مستشارين إنجليز، وهم بالطبع أجانب لا تهمهم مصلحة الأجيال القادمة، بل كل ما كانوا يكترثون له هو الإستفادة ومصالحهم الشخصية، فنحن اليوم كما قال نعيش لندفع ثمن أخطاء أرتكبت فيما مضى ولم تكن لنا يد فيها. وهناك آخرون من السكان الأصليين يعيشون ظروف صعبة لم تخطر على بالهم يوماً فأنا وزملائي مقارنة بهم في أحسن حال.
في اليوم التالي أخذني إلى حي المسلمين كما يسمى تعرفت هناك على بعض كبار السن فتأثرت ببعض الحكايات التي سمعتها والتي كانت أغرب من الخيال. فبعضهم عاش طفولة كان فيها أجداده وآبائه أسياداً وأصحاب شأن، زمناً جميلاً كما قال أحدهم، كنا نعتقد فيه أن الأجانب الذين كانوا يأتون للعمل في بلدنا بسبب توفر الفرص على أرضنا كانوا يبحثون عن تحسين أوضاعهم ولم يخطر ببالنا أننا سوف نعيش هذا اليوم الذي أصبحوا فيه هم السادة والمتحكمين في أرضنا وأصحاب الكلمة الأولى والأخيرة وأصبحنا نحن من نبحث عن فرص للعيش والبقاء على أرض أجدادنا!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *