هل نحتــاج يومـاً للصـدق ؟؟

لسنوات طويلة والعالم ينتظر بفارغ الصبر الأول من إبريل لنشر أكاذيب ونكات الغرض منها المزح ، ولا ينتشر ذلك بين الأصدقاء فحسب بل على جميع المستويات حيث تذاع أخبار غريبة أو تُنشر عبر وسائل الإعلام بحرفية لكي يصدقها الناس.
ففي الأول من إبريل هذه السنة نُشر على أحد المواقع أن الرئيس الفرنسي سَيَنْقُـل مكتبه من الإليزيه إلى ضواحي باريس لتقنين النفقـات . أما الديلي إكسبرس البريطانية فلقد ذكرت خبراً مفادة ، أن الملكة إليزابيث تعرض غُرفاً للإيجار في قصر بكِنغهام .
وتُعتَبر كذبة إبريل تقليداً أوروبياً قديماً يعود إلى القرن السادس عشر ، وكما يقال أنه لغاية 1564 كانت السنة الميلادية تبدأ من الأول من إبريل ، إلى أن قَرَرَ في هذه السنة الملك شارل التاسع تغيير التقويم لكي تبدأ سنة 1565 من الأول من يناير. لكن عدداً كبيراً من الناس حينها لم يتعود على ذلك أو لم يعلم بالتغيير ، فاستمروا بتبادل التهاني والهدايا في الأول من إبريل ، وبغرض المزح والضحك إنتهز البعض الفرصة وأصبحوا يتبادلون في الأول من إبريل هدايا لا قيمة لها أو علباً فاضيةً من أجل السخرية وإطلاق النكات .
فتطورت الفكرة و إنتشرت و أصبح الكل ينتظرها ويجهز لها بهدف المزح وليس الإحراج . ولا زالت كذبة أبريل تنطلي على عدد كبير من الناس ويصدقون أي خبر في هذا اليوم متناسين أنه الأول من إبريل وأن الخبر قد يكون كذبة .
وفي عدد من دول العالم يستعد الناس لهذا اليوم الذي يباح فيه الكذب على جميع المستويات و يختلقون أكاذيب من أجل التسلية لتنطلي على الأصدقاء والأقارب ، ويَشكون في أي خبر يتلقونه هذا اليوم حتى لو كان صحيحاً ، وكذبة إبريل كما قلت الهدف منها إطلاق نكتة أو دعابة من أجل الضحك والمزاح على أن لا تتحول إلى صدمة أو كارثة . وعلى هذا الأساس أصبحت بمثابة يوم ينتظره الجميع .
مع ذلك ففي بداية هذا القرن بدأ بريق هذا اليوم ينطفئ ، و إنحصرت الأكاذيب في السنوات الأخيرة على عدد محدود من هنا وهناك لم يكن له نفس الوقع والأثر المضحك الذي كان فيما مضى، فهل بدأ العالم يكره الكذب و إستغنى عنه بالصدق مع النفس ومع الآخرين حتى لو كان مزحة ليوم واحد ؟؟؟
ففي أوروبا يستمتعون بهذا التقليد لأنهم غالباً لا يمارسون الكذب وينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر من أجل نشر الدعابة بأفكار مبتكرة و مثيرة تضحك الجميع . فالكذب عندهم يُعمل له ألف حساب خصوصاً إذا تجرأ أحد من الساسة مثلاً وكذب فإنهم يقومون بإجراء تحقيقات لكشف كذبه ، بل لا يتوقفون عن فضحه إلى أن يحاكم ولو بعد حين ، وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام، فإذا صُودف ونَشرت خبراً غير صحيح عن شخصية عامة أو مشهورة فأنها لا تتعرض للمسائلة القانونية فحسب بل تستنزف خزائنها لدفع التعويض ، وقد تتعرض للإغلاق أو قد يتوقف ناشر الخبر عن العمل ، والأمثلة كثيرة.
أما في المجتمعات العربية فالكذب مستفحل على جميع المستويات الإجتماعية والسياسية و الإقتصادية وغيرها ، وبلا حدود ، فلا قيمة لمزحة مثل كذبة أبريل ولا هدف منها ، لأن الكذب يُمارس بشكل يومي حتى أصبحنا لا نفرق بين الصدق والكذب!! ويأتي على رأس القائمة وسائل الإعلام العربية التي لا تتوقف عن نشر الأكاذيب على مدار السنة وبأسلوب لا يستطيع حتى جهاز كشف الكذب إختراقها ، هذه الوسائل التي كانت فيما مضى مكممة أو تُجَمِل الأخبار لإرضاء الحكومات ، أصبحت اليوم تُمارس الكذب علناً و تتكلم بإسم الحكومات و بأمرها و تبالغ في إلقاء الضوء على الأكاذيب لجذب الإنتباه .
ومع بداية الربيع العربي وجَدَ البعض في الإنترنت منبراً لصد هذه الأكاذيب ونشر الحقائق بعد أن أصبحت وسائل الإعلام الرسمية في أغلب الدول العربية محل شك ، لكن هذا لا يعني أن الأكاذيب و الشائعات لا تطال الإنترنت بل هو مرتع خصب لها ، ويبقى على المتلقي التمييز بين الصدق و الكذب .
نتمنى أن يتطوع شباب الربيع العربي ويختاروا لنا يوماً للصدق ، تُقَـدم وتُنشر فيه أخبارٌ حقيقية و مؤكدة ، ويكون تاريخه ثابتاً على غرار كذبة إبريل ، و أن لا نَختلف خاصة في التاريخ المحدد له لكي لا يصبح مثل هلال العيد !!!
وحتى لا يرتبط الصدق عندنا بهل ثبتت الرؤية أم لم تثبت ؟؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *