أمريكا والعالم الإسلامي

انعقد في الدوحة مؤخراً منتدى أمريكا والعالم الإسلامي، ليؤكد مرة أخرى على أهمية الولايات المتحدة ومكانتها عند العرب والمسلمين، وفي رأيي أهميتها كبيرة أيضاً عند باقي دول العالم باعتبارها قوة عظمى منذ مدة وحتى إشعار آخر حتى وإن اختلفنا أو اتفقنا معها.
أبدأ الموضوع بتعليق بسيط على ما جاء على لسان هيلاري كلنتون، وزيرة خارجية أمريكا خلال المنتدى حسب ما أوردته وكالات الأنباء، هيلاري كلنتون التي من المفروض أن تكون مشاركتها في المنتدى من أجل طرح جديد لإطار العلاقات مع الدول الإسلامية التي تعيش حالة مد وجزر معها منذ فترة والتي حان الوقت لتغييرها من أجل كسب ثقة شعوب هذه الدول التي أصيبت بخيبة أمل من أمريكا إزاء حروبها المتتالية على المنطقة ودعمها اللامحدود لإسرائيل العدو المشترك والدائم لهذه الدول. ولكن كما هو متوقع من أمريكا اكتفت وزيرة خارجيتها بالتحدث عن الشعب الفلسطيني المحاصر داخل أراضيه دون أبسط حقوق العيش، باقتضاب، وحين سُئِلت فقط وإلا لما كانت ذكرته، وتركز محور حديثها على ملف إيران النووي ومدى خطورته على المجتمع الدولي، لكنها حتما كانت تريد أن تؤكد على مدى قلق أمريكا منه على اسرائيل وكأنها جائت لتتحدث في منظمة “إباك” وليس في ندوة عن علاقة دولتها بالدول الاسلامية وتناست أو ربما لم يجرؤ أحد على تذكيرها بأن إسرائيل تمتلك أكبر ترسانة نووية قبل إيران بزمن والتي تستطيع بها تدمير كل الشرق الأوسط!!!
بعد الحرب العالمية الثانية اعتبرت أمريكا نفسها سيدة العالم، وكانت كذلك بالنسبة لكثير من الشعوب والحكومات وبالذات في الدول الغربية التي هبت لانقاذها من تهديدات وغزو النازية، ومنذ انتهاء هذه الحرب قررت أمريكا والدول الغربية المتحالفة معها السيطرة على العالم وتقسيم ثرواته في ما بينها، لكنها كانت دائما تواجه الاتحاد السوفياتي، الدولة القوية التي نافستها على السيادة في تلك الفترة، الدولة التي كانت تنظر إليها أمريكا والدول الغربية على أنها عدو قادم في المستقبل بسبب نظامها الشيوعي المخالف لتوجهاتهم الفكرية والرأسمالية، وبسبب مساندتها للدول الضعيفة ضدهم وضد نظرتهم الاستعمارية وبفضل هذه المساعدات استطاعت دول من العالم الثالث تحقيق استقلالها، وتصدى وواجه زعماؤها أمريكا والدول المتحالفة معها، ومنذ ذلك الحين قررت أمريكا وحلفاؤها القضاء على الاتحاد السوفيتي ونظامه المخالف لتوجهاتهم بشتى الطرق، مع أني أعتقد أن ما حصل للاتحاد السوفياتي لم يكن نتيجة قوة وضغط غربي بقدر ما كان بسبب مشاكل من الداخل نتيجة نظام قام بدعوى نشر مبادئ وقيم انسانية جميلة لكن دون تنفيذ حقيقي على أرض الواقع وهذا ما استغلته الدول الرأسمالية التي كانت في أوج مجدها وقوتها. وما أن انتهت من الاتحاد السوفيتي، حتى وجهت أنظارها إلى العالم الإسلامي، ومن المحتمل أن يحدث مع الدول العربية والإسلامية ما حدث مع الاتحاد السوفيتي إذا استمر وضعها على ما هو عليه، من يدري؟؟!!.
إن القوى المسيطرة على أمريكا وبعض الدول الغربية اللذين اطلقوا على أنفسهم المجتمع الدولي وكأن الباقي رعاة عليهم السمع والطاعة، تتصرف مع دول العالم الثالث خاصة بنظرة دونية وعجرفة مع أنها انهزمت فيها عدة مرات سياسياً وعسكرياً وخير مثال هزيمتها العسكرية في كوريا وفيتنام وهزيمتها السياسية في أمريكا الجنوبية، والأقوى هزيمتهم في الصين التي أصبحت تنافسهم على الصدارة وقد تسبقهم بمراحل عما قريب، وآخر هزيمة تسببوا فيها ولم يسلموا منها الكارثة الاقتصادية التي حدثت بسبب حروبهم العسكرية الظالمة وتدخلاتهم في شؤون العالم وبدعمهم المادي والعسكري للحكومات الفاسدة الغير شرعية. وأصبح هذا المجتمع الدولي آيل للسقوط بسبب هذه الأخطاء والتصرفات وأصبحت شعوب العالم التي تأذت منه تنظر إليه “كمافيا” يحركها الأقوى. وتأملت هذه الشعوب أن ينتهي هذا العهد ويصل شخص مختلف الى سدة الحكم في أمريكا ليغير وجهها القبيح في نظرهم، وأبدى المرشح الجديد للرئاسة في أمريكا خلال الانتخابات استعداده للتفاهم مع شعوب العالم وإنهاء كل النزاعات العسكرية، وهلل له في الداخل والخارج لكن بعد فترة وجيزة من تسلمه مقاليد الحكم اتضح أنه لا يملك عصا سحرية للإصلاح والإنقاذ، فأمريكا نفسها في حاجة إلى من ينقذها من هذين الحزبين اللذان أصبحا وجهان لعملة واحدة، تتحكم فيها قوى الرأسمالية والصهيونية العنصرية مع أن هناك آلاف من الأحرار في أمريكا يعرفون ذلك ويعارضونه لكنهم لا يستطيعون فعل شيء بسبب سيطرة هذه القوى، وهذا يعني أن أي تغيير في السلطة لا يعني بالضرورة تغيير في المواقف والمبادئ فقد يختلف أسلوب أداء الحكومة كما هو حاصل حاليا أي أن الخلاف في الشكل وليس في الجوهر، لأن سياسة أمريكا تجاه كل الدول بوجود تلك القوى ثابتة لا تتغير أبداً، واقتصادياً هي تواجه اليوم أكبر ضربة في القرن الحالي نتيجة الأزمة المالية التي تسببت فيها، حيث تواجه عجزاً مالياً يساوي المليارات من الدولارات فديون أمريكا كما تقول الجهات الرسمية الأمريكية حوالي 8 تريليون دولار والعجز في ميزانيتها الحالية أكثر من تريليون دولار. مع ذلك فالجيش الأمريكي يتخبط هنا وهناك في الدول العربية والاسلامية بدعوى ظاهرها القضاء على الإرهاب وإيهام هذه الدول بخطر يحدق بها، أما باطنها فهو السيطرة عليها وعلى ثرواتها ومن ثم سيطرة الصهاينة على العالم العربي والإسلامي وهذا ما يقوله ويكتبه عدد من المفكرين الغربيين، فإلى متى سوف يستمر هذا الوضع؟؟ فهل من الممكن توقع هزيمة أمريكا في أفغانستان والعراق وفلسطين ومن ثم ظهور إسلام قوي بجميع طوائفه وعرقياته؟؟ أم من الممكن أن يصحو الشعب الأمريكي ويهب للتصدي لليمين الصهيوني المتطرف ليقضي على هؤلاء وتوجهاتهم كما حدث للتتار والمغول وكل الأفكار والرؤى الظالمة ليعيش العالم في أمن وأمان؟؟
من يدري فكل شيء ممكن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *