الإنتخابات العراقية من منظور آخر

خلال الأيام الماضية اتجهت أنظار العالم إلى العراق، هذه المرة ليس بسبب حروبه، بل لمتابعة الإنتخابات والحراك السياسي الدائر هناك ، حتى أن بعض وسائل الإعلام اعتبرت ذلك حدث القرن في الشرق الأوسط ، مع كل ما حدث ويحدث من خلافات في الرأي والمصالح والتي وصلت إلى حد تبادل الإتهامات إلا أن ذلك دليل على بداية الديمقراطية وحرية الرأي التي لم يتعود عليها المواطن العربي، وكذلك الانفجارات والقتل والدمار المستمر هناك لم يوقف المواطن العراقي من الذهاب لاختيار من رآه مناسباً لتمثيله في البرلمان. واعتبر كثير من المحللين أن هذه أول خطوة في طريق الحرية ، وعهد جديد لبناء مستقبل العراق ، وقد تكون هذه هي بداية المستقبل الحر كذلك لمنطقة الشرق الأوسط والدول العربية ، مهما حاول البعض تشويه الحقائق أو خلق بلبلة أو التحريض كما حصل في إحدى الفضائيات العربية البعيدة عن العراق وواقعه حيث قال أحد مراسليها بأن المليارات من الدولارات من أموال الشعب العراقي صرفت على الدعاية الانتخابية، لا أعرف كيف اجتهد وحصل على هذا الرقم المبالغ فيه؟؟ وكان الأولى أن يتحدث أكثر عن الانتخابات نفسها التي أتاحت الفرصة لعدد كبير من المشاركين باحزابهم المختلفة وهذا مالم يعهده العالم العربي حيث تصل فيه نتائح الانتخابات إلى 99% والمراسل تناسى ذلك، ولو كان مراسل فضائية عراقية قال مثل هذا الكلام عن دولته لكان مكانه الطرد أو السجن، أما في عراق اليوم فهذا أكبر دليل على حرية الرأي والفكر مهما اختلفنا على الأسلوب إلا أن التغيير الحاصل الآن لم يعرفه أو يشهده الشعب العربي، وهذا التغيير هو الذي سوف يخلق التوازن للشعب العراقي ويعزز آماله بالعيش بأمان في وطن حر متماسك قادر على الدفاع عن حقوقه ومواجهة التحديات من الداخل و الخارج ، بالرغم من تخوف البعض من تزوير هنا أو هناك ، إلا أن الشعب العراقي الآن لن يرضى بذلك ، ولن يرضخ لأية ضغوطات أجنبية تهدد مصالحه ، وهو وحده الذي سوف يحدد السياسة الافضل له ، والانتخابات القادمة سوف تكون افضل بإذن الله ، لأن نتيجة التغيير أيا كانت بحد ذاتها إيجابية ويجب التفاعل معها، ويكفي أن الحكم الدكتاتوري ، الحكم الفردي قد انتهى في العراق، وقد يكون ذلك بداية الإنطلاق وفرصة للقضاء على بعض الدكتاتوريات المنتشرة.
وقد يقول قائل إن أغلب المتنافسين على السلطة الآن جاؤوا على دبابات أمريكية وناصروا شن الحرب الظالمة على العراق حتى لو كانت هذه هي الحقيقة ، وبالرغم من تعاطفنا مع ماحصل للشعب العراقي وتأييدنا الكامل له في مقاومته للإحتلال ، إلا أن السؤال المطروح هو: من الذي أوصل العراق إلى هذه الحالة؟؟ أليس هو الحكم الدكتاتوري ، حكم الفرد الواحد ، حكم إخراس صوت الشعب وخنق كلمته وكبت حرياته ، وبالتالي عدم السماح له بالمشاركة في الحكم أو حتى بإبداء رأيه؟؟ ولو كان الشعب العراقي انتفض على وضعه ربما كان تفادى التدخل الأجنبي في أمور بلاده ، الأجنبي الطامع في ثرواته. إن ما حدث في العراق كان نتيجة طبيعية لسكوت وخنوع وخضوع صوت الحق، صوت الشعب. فهل الشعوب المقهورة من بعض الحكام والحكومات الدكتاتورية عليها أن تنتظر النجدة من الخارج أم عليها الحراك من أجل حياة كريمة أفضل؟؟
فإلى متى سوف يقف المواطن العربي في طابور لقمة الخبز والعيش ولا يشارك في اختيار من يوفر ويجهزله هذا العيش؟؟ إن آخر تقرير رسمي صادر عن جامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يشير إلى أن نحو 140 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، أي ما يعادل 40% من سكان الدول العربية ، وهذا يشمل الدول الغنية منها قبل الفقيرة مع أنه لا توجد دولة عربية فقيرة بمواردها و إمكانياتها البشرية ومصادرها وثرواتها الطبيعية المخزونة ، مع ذلك فمواطنوها النوابغ يعيشون خارج أوطانهم ، وتستفيد الدول الأجنبية من علمهم وبحوثهم واكتشافاتهم ، في الوقت الذي تعيش فيه فئة مسيطرة حياة رغد ورفاهية في الداخل ، ولهم ثروات تقدر بمئات الملايين في الخارج، أما الفئة المقهورة الراضية بمصيرها والتي تشكل الأغلبية ، فما عليها إلا انتظار الفرج!!! فإلى متى؟؟
فهل سيأتي يوم نقدر فيه تضحيات الشعب العراقي ونترحم على شهدائه ونتذكر أن الحرب الظالمة التي شنت عليه كانت السبيل الوحيد للحرية والديمقراطية ليس للشعب العراقي بل للشعوب العربية؟؟ نتمنى للعراق أن يصبح مثالاً لدولة الحريات والديمقراطية بلا طائفية أو مذهبية ليكون بداية عهد جديد للأمة العربية والإسلامية.
قال تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة: 216] صدق الله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *