رومـا تاريــخ وحضـــارة

هـي المدينـة ذات الوجـوه المختـلفة ، وجـه يلامـس أمـواج البحـر المتـوســط ، ووجـه رســمه الـتاريـخ على أثــــار تسـتعيد معها عظمـة حضـارتـها ، ووجـــه يمـتزج فيــــــه الفــن بالمـهارة ، والـسـياســة بالجـمال ، والســـائح بالبائــع المتجــول ، والقصــــور المبــهرة بالكـنائـس العتيقـة كل ذلك فـوق سـبع هضبـات لا تكل ولا تمل مـن الصعـــود إليهـا أو النـزول منهـا ، قلة مـن المـدن تحتضـن 3000 سـنة مـن الحضـاراة المتتالية ، قلة مـن المـدن تأسـست قبـل حـوالي 753 سنة قبـل المـيلاد . هي رومـا عاصمة الغرب التـاريـخية وعاصمـة المسيحية ، رومـا التي تحتضـن 30 قـرنا مـن الحضـارة ، رومـــا التي تمتـزج فيها الأصالة بالمعاصـرة ، زرتهـا قبـل أسـابيع ، وفي كل زيـارة أشعــــــر وكأني أعيش بيـن الماضي بعراقته والحاضـر بحـداثتـة ، رومـا أقدم مـدينـة في العالم بعـد أثيـنا ، أهل رومـا والمسـئولين فيهـا يفتخـرون بمـا يملكـون مـن تاريــخ عريـــــق خاصــة في مجال العـمـارة حتى ولـو كانـــت أطــلالاً لأنهـا جـزء مـن ماضيـهم وحتـى لـو إختلفـوا مـع أفكـار ورؤيـة بنّاتها ، فمِثــــل مـا عـرفت هؤلاَء لاينتمــون مـن قريب أو بعيـد لسـكان رومـا الحاليين ، الذين يعتقدون أن مـاضــى المـــدينة هـو الذى بنــى حاضـرها ويؤمـن مستقبلها ، ولا يسـمحـون بهـــــد م أي شئ بل يحافظــون عليـــــــه ويـرممـونه ، أو على الأقل يتــركون الآطــلال كمـا هـى ، ولا يبدلونها بالجديـد والدليل أن رومــا بنـي فيـهـا أقــدم مـركــز تجــاري منـذ حـوالى 80 قـرنا لم تتبقـى منـــــــــه إلآ أطــلال كما قال مــرافقنــا ، رغــم أن بإمكانـهم اليــوم هدمهـا وبنـــاء أخــر جـديد ومتطـور الآ أنهم لا يتنازلـون عـن تاريخـهم أو يتبرئـوا منه وكأنـه عيـب . وإسـتغربت أيضـاً عنـدما عـرفت أن عـدد المسـلات المصـرية الموجـودة في رومـا حوالي 86 منها 73 مسـلة صغيـرة و 13 كبيرة شــبيهة بتـلك المنصوبـة في سـاحة الكونكورد بباريس وهذا ما أثار إســتغرابي حيـث كـنت أعتقـد أن التي في باريـــس هي الوحيـدة المسروقة مـن مصـر ، وإتضـح لي أن رومـا تحتفـظ بهذا العدد الكبيـر من التاريـخ المصري ، فلما ســألت مـرافقنـا كيـف حصـلت علـى هذا العدد ؟؟ أجـاب بأنها مسـروقة . وتابــع لكــن هـــذا جــاء لصالــح هذه المســـلات فلقــد شـــاهدت بعينــك كيــــف يتــم الإهتــمام بـها وكأن الزمن لم يمحو من رونقها وتاريخها شـيئاً ولـو بقيـت في مصر لكان حالـها كحـال الأثار المصرية التى لاتقدر بثمن ، فبكل تأكيـد أنت زرت القاهــرة كما أنـي زرتـها قـبـل فتــرة ، وصـدمت عنـدما رأيت الأهــرامات وأبـو الهـول تحيـط بهما المساكن العشـوائية فهذا لايليـق بأفقـر دولة فمـا بالك بأقــدم أثار في العـالم . أهكذا يقـدر من تركـوا لنا هــذا التـاريــخ العظيـم ؟؟ ومـن فضـلك لا تقل لـي حصـل ذلك بسـبب الأزمـــة الأقتصــاديـة أو السياسة أو غيرها ، فكل البـلدان تعيـش أزمات ، وإيطاليا أكثر دولة في أوربا تضررت مـن الأزمـة الأقتصـاديـة الأخـيرة ويلزمهـا سنوات لكـي تنفــض غبـارها ، والكل يعــرف أن الأزمـات الســياسـية في إيطاليـا لا حصـر لها ، تكاد تنهض مـن واحــدة حتى تســـقط في الأخـرى وهذا يخلق أزمـات إجتماعية لاحـدود لها من بطالة ومهاجرين غير شرعيين وغيرهـا الكـثير ، رغـــم هذا كله فنحن نبجل أثارنا وتاريخنـا ونفتخـر به ونسـتنشـق مـن عبقـه ونعيـش على أمجاده ونتقـدم به ، عجـزت عـن قـول أي شئ ، كلامـــه كان منطقيا ومعقولآ فلم أجـد سـوى عبارة ” أن كل ما قلتـه صحيـح لكـن هـذا لا يبـرر السـرقــــة كمـا تعتـرف أنـت وغيرك ” .
ثم أخذنا إلى الفاتيكان ، هذه الدولة التى تقع ضمن دولة . فلقد مررت بها في زياراتى السابقه، وهذه هي المرة الأولى التي أدخلها ، معظم الوقت في متحفها إلاَ أن يوماً واحداً لايكفي لزيارته بل تحتاج الى أكثر من ذلك لتستمتع بتحفه ولوحاته الفنية النادرة التي لا تقدر بثمن وهندسته المعمارية التي لم ولن تتكرر .
هذه هي روما فى كل زيارة تعيش فيها حالة مع التاريخ رغم مرور الزمن، روما ساحرة بكنوزها ، شامخة بأطلال لم تطلها أيادي التجديد والتحديث ، روما بقيت آثارها الثمينة شاهدة على عصرها الذهبي لتمكنها من تقبل الحاضر بكل تقلباته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *