غياب أو تغيب الرقابة المالية في الدول العربية

الفساد ظاهرة إجتماعية عالمية، خاصة الفساد المالي والإداري المنتشر في المؤسسات الحكومية والعامة وإذا لم تتم معالجته يصبح خطراً يهدد المجتمع وتكون نتائجه كارثية على مبادئ العمل الأخلاقية. لكن في الدول المتقدمة يتم فضح المفسدين ولو بعد حين، بفضل الجهات الرقابية والإعلام المستقل الذي يكشفهم ويلاحقهم إلى أن تتم محاسبتهم. لذا نادراً ما يفكر أحد في هذه الدول مهما كانت سلطته ، بالتلاعب بالمال العام أو هدره خوفاً من العواقب التي تشمل قبل المحاسبة ، الفضيحة التي قد تقضي على مستقبلهم السياسي. والأمثلة كثيرة في هذا المجال عن مسؤولين كانوا على رأس السلطة في يوم من الأيام استغلوا مناصبهم للحصول على امتيازات ، من بينهم الرئيس الألماني كرستيان فولف وحاكمة استوكهولم التي لم تسلم من المحاسبة و الفضيحة لأنها دفعت ثمن ملئ خزان وقود سيارتها الخاصة من دفتر بطاقات حكومية!! فاضطرت إلى الإستقالة ، مع أن نسبة الفساد في السويد تعتبر الأقل في العالم بسبب ارتفاع دخل الفرد وبسبب جودة الحياة. ومن قبلهما جاك شيراك الذي كل ما فعله أنه عندما تولى رئآسة بلدية باريس عيّن عضوين من حملته الإنتخابية فيها.
لكن في الدول النامية وبالذات في أفريقيـا وبعض الدول العربية فإن ملئ خزان وقود سيارة أي مسؤول ، أو عائلته ، أو أقاربه ، أو أصدقائه ، أو جيرانه ، من المال العام يعتبر امتيازاً أو حقاً مشروعاً!!! وغالباً لا تتم المحاسبة حتى لإستغلال الملايين والمليارات أو سرقتها ليس لعدم وجود جهات تشريعية أو رقابية بل لعدم تطبيق قوانينها أو الإلتزام بها ، فتفشل فشلاً ذريعاً في القيام بالواجب التي شرعت من أجله.
منذ زمن بعيد والفساد المالي والإداري منتشر في الدول العربية ، وإغرائات الكرسي تجعل بعض المسؤولين حين يصلون إلى السلطة يغيرون القواعد المنظمة للعمل حسب مصالحهم الشخصية ، ويقومون بالتلاعب وسرقة المال العام ، وبسبب عدم المسائلة يقف المواطن عاجزاً ولا يستطيع حتى أن ينعم بأبسط حقوقه في مجتمع يحيط به المتآمرون على مصلحته ، من كل جهة. و مع انطلاق الربيع العربي يأمل البعض أن يتم القضاء على الفساد وإصلاح ما يمكن إصلاحه ، خاصة أن هناك حكومات استمرت لسنوات دون حسيب أو رقيب ، وتجاوزاتها وسرقاتها لا تغتفر ، وقد أسائت إلى بعض المسؤولين الشرفاء. فلماذا إذاً إلى الآن لا تتم محاكمتهم ومحاسبتهم حتى يدافعوا عن برائتهم أو ينالوا جزائهم إن كانوا مذنبين.
إن الفساد المالي والإداري كما ذكرت ظاهرة مستتبة في المجتمعات العربية والفساد لا يعني سرقة الأموال العامة فحسب ، بل استغلال المناصب لهدرها والمبالغة في صرفها فساد. والواقع يقول أن هذه الظاهرة أو الآفـة تنمو في المجتمعات التي لا تلتزم بالأنظمة والقوانين أو تتغاضى أو تتدخل حكوماتها للحيلولة دون تطبيقها ، وهذا ما تنتج عنه أخطار جسيمة تضر بالإقتصاد وقد تؤدي إلى انهيار النظام المالي بأكمله.
مؤخراً كشف مسؤول في ديوان المحاسبة الاتحادية عن إحالة عشر قضايا فساد إلى النيابة العامة ، وطالب باسترداد ما يزيد عن مليار درهم صرفت بدون وجه حق بالإضافة إلى عمليات التزوير والغش والإحتيال والرشوة ، وأضاف أنه بفضل الجهود المبذولة تم استرداد وتحصيل بعض تلك المبالغ.*
هذا عن المؤسسات الإتحادية ، أما المؤسسات المحلية ، فلا أحد يفتح ملفه فهناك كما يقال مثل هذه التصرفات في المال العام. والمبالغ التي تهدر على المشاريع التي لا داعي لها والتي لا المواطن ولا الوطن يستفيد منها والملايين أصبحت لا قيمة ولا وزن لها ، ولا زال الصرف الغير مبرر مستمر رغم الأزمة الإقتصادية العالمية التي طالت الجميع. فإلى متى سنظل هكذا دون حساب أو كتاب و أين هي الجهات الرقابية؟
نتمنى أن يتم عندنا تجنب المبالغة في الصرف على المشاريع و إصدار قانون يلزم جميع المؤسسات الحكومية التقيد بالهندسة القيمة Valuable Engineering ، والحد من تجاوز المبالغ المحددة ، بحيث أن أي مشروع يكلف عشرة مليون نحاول أن لا يتجاوز ثمانية مليون وهكذا ، مئة مليون بثمانين مليون بدل هدر المبلغ المحدد في الصرف على الدعاية والعلاوات والحوافز قبل بداية المشروع!!! و نتمنى أن يتم الحد من هذه الآفة لنصبح نموذجاً يحتذى به في هذا المجال.
* جريدة البيان الصادرة بتاريخ 6 فبراير 2012.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *