Article Detail

90

أمة بكت وتبكي عليها الأمم

في هذه الأيام لا حديث إلا عن تقرير غولدستون، فها هي الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت بالأغلبية لهذا التقرير بالرغم من اعتراض الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، لكن ماذا بعد؟ إن أعداداً هائلة من القرارات صدرت من الأمم المتحدة ضد إسرائيل، أولها قرار التقسيم عام 48، ولا شيء تغير منذ إنشاء هذه الدولة بأوامر عليا من أوروبا وعلى رأسها بريطانيا وبرعاية شاملة من الولايات المتحدة ودعم متواصل لها مادياً وعسكرياً، وكأنها ولاية من ولاياتها. وإسرائيل لا تنفذ إلا ما تراه مناسباً لها، ويدعمها في ذلك منشئوها وداعمتها.

أما تقرير غولدستون، فقبل عرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة واجه انتقادات أمريكية وأوروبية لمضمونه الذي ينتقد غياب العدالة في الحرب على غزة ليس إلا، فلماذا هذه الضجة وهذا الاعتراض؟ ألأن بعض الدول العربية شاركت بشكل أو بآخر في هذه الحرب، سواءً بسكوتها أو بانتقادها الطرف المعتدى عليه واتهامه بتسببها، وكأنه ليس طرفاً عربياً مظلوماً مغتصبة أرضه منذ 60 سنة، وكأنه نزل من كوكب آخر؟ أم أن الشعوب العربية لا صوت لها في دولها فكيف يكون لها صوت لمساندة إخوتها؟

في الفترة الأخيرة، أرسل إليّ أحد الإخوة عبر البريد الإلكتروني مقالاً كتبه كاتب نرويجي تحت عنوان (شعب الله المختار)، ويقال إن هذا المقال أغضب إسرائيل والإسرائيليين مع أن الكاتب لا يقول إلا الحقيقة ويطالب دول أوروبا بالتكفير عن ذنبها الذي ارتكبته منذ عام 48 بإنشاء دولة لتكون بيتاً لليهود. ويقارن بين النظام العنصري في جنوب إفريقيا وبين إسرائيل، ويتابع: إننا لم نرضَ بنظام صدام حسين في العراق وقمنا بشن حرب عليه إلى حد تضرر الشعب العراقي، وكذلك ما تم ويتم في أفغانستان. وكأنه يتساءل: ألا يحق للشعب الفلسطيني نظرة شفقة ورحمة؟ ألا يستحق العيش كالآخرين؟ لكن السؤال الأهم والدائم هو لماذا يتعامل الغرب معنا بهذا الشكل ويتجاهل أبسط حقوقنا؟ ألأن الشعوب العربية متخلفة لا تهمها إلا القشور وليس الجوهر؟

وهذا ما تؤكده رسالة أخرى استلمتها من أحد الأصدقاء تحت عنوان “أمة ضحكت من جهلها الأمم”، وتتضمن بعض الإحصائيات تقول إن عدد الأميين في الوطن العربي يفوق مئة مليون نسمة، أي أن ثلث العرب لا يستطيعون القراءة والكتابة. فمعدل ما يقرأه المواطن العربي لا يتجاوز ربع صفحة في السنة الواحدة مع أننا أمة “اقرأ”! مقارنة بالمواطن الأوروبي الذي يقرأ سبعة كتب في السنة، أما الأمريكي فإحدى عشرة كتاباً في السنة. ألهذا السبب وغيره ينظرون إلينا كأمة متخلفة لا تستحق الحياة؟

أما على مستوى الدول، فمجموع ما تنفقه الدول العربية على البحث العلمي هو 1.7 مليار دولار سنوياً، أي نسبة 0.3% فقط من الناتج القومي الإجمالي، مقارنة بفرنسا والسويد اللتين يصل فيهما إلى 2.7% و 2.9%، واليابان 3%، أي عشرة أضعاف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة. أما إسرائيل فتنفق ما يوازي 4.7% حسب إحصائيات اليونسكو لعام 2004. ولهذا السبب، اليهود هم الأقوى مقارنة بالعرب والمسلمين مع أنهم لا يتجاوزون 14 مليون نسمة، إلا أنهم أكثر المبتكرين والمخترعين والنوابغ في مجالات متعددة. أما العرب والمسلمون في الوقت الحاضر، فلو حصل وبرز أحدهم في مجال ما يكون ذلك خارج وطنه وفي ظل جنسية أخرى. فمثلاً، عدد الجامعات في العالم العربي والإسلامي كله لا يتعدى 500 جامعة، في حين أن العدد يصل في الهند إلى حوالي 8000 جامعة. كذلك، لا توجد جامعة عربية أو إسلامية في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم، في حين أن هناك ست جامعات إسرائيلية ضمن القائمة. كما أن هناك 15 دولة نسبة التعليم فيها وصلت إلى 100% وعشرات الدول إلى 98%، ولا توجد بينهم دولة عربية أو إسلامية. أهذا يكفي يا عرب مقياساً لتخلفنا؟ طبعاً لا.

فأسهمنا ارتفعت في إحصائيات أخرى أدهى وأمر، حيث تقول إحداها إن الحصيلة الشهرية لرسائل SMS التي تظهر على الشريط الموجود أسفل الشاشة في القنوات العربية الهابطة تصل إلى حوالي 8 ملايين دولار، وإنتاج الفيديوكليبات الخاصة بأغاني الفن الهابط يقارب 16 مليار دولار سنوياً. أما مجموع ما يصرف على خادمات البيوت العربية فيصل إلى حوالي 3 مليارات دولار شهرياً! أبعد هذه الأرقام، هناك ما يقال أو يذكر؟! أترك الحكم لكم، خاصة بعد الأرقام العربية “المشرفة” التي حققتها مؤخراً مباراة الشقيقتين مصر والجزائر من خلافات وتلاسن في الصحافة وعلى الفضائيات (وخلوا اللي ما يشتري يتفرج)!!! إلى أن وصلت تداعياتها إلى رئيس البرلمان الأوروبي الذي عبر عن دهشته من التطورات التي حصلت بسبب المباراة في لقائه مع أمين عام جامعة الدول العربية، الذي أكد بدوره أن الجامعة أجرت اتصالات بكل الأطراف لتطويق المشكلة!!! ألا يعرف رئيس البرلمان الأوروبي أن هناك شعوباً عربية تتعرض يومياً للإهانة ولم يبقَ من كرامتها شيء؟ ألا يستحق ذلك دهشته ومناقشته في اجتماعاته؟ أم أن الخلافات عقب مباراة كرة قدم أهم من قضايانا المصيرية عندهم؟ إذاً، نحن لسنا فقط أمة ضحكت من جهلها الأمم، بل نحن أمة بكت وتبكي عليها الأمم!!